الجهاز المفهومي لمسالة العلم بين الحقيقة والنمذجة

                                     الجهاز المفهومي لمحور العلم بين الحقيقة والنمذجة
النموذج –Le Model-   هو التمثل الذهني لشيء ما و لكيفية اشتغاله، و عندما نضع شيء ما في نموذج نستطيع أن نقلد اصطناعيا –Simuler- تصرف هذا الشيء و بالتالي الاستعداد لردوده. وهذا يعني أن النمذجة ليست إلا الفكرالمنظم لتحقيق غاية عملية، ذلك أن النموذج هو نظرية موجهة نحو الفعل الذي نريد تحقيقه. ومن هذا المنطلق يمكننا القول أن كل إنسان "ينمذج" في حياته اليومية و في كل لحظة، فهو يجمع كل الكائنات التي تحيط به بصورة ذهنية، سواء تعلق الأمر بأشياء مادية أو بأشخاص أو حتى بمؤسسات، و هذه الصورة الذهنية تمكنه من تركيب و تقليد سلوك موضوعه اصطناعيا لتقييم نتائج قراراته و يختار ضمن القرارات الممكنة أفضلها، و إذا بدا له النموذج غير مناسب يغيره بآخر.                          
الأكسمة : هي منهج يسلم بمجموعة من الأوليات والبديهيات التي يقع افتراضها والتسليم بها دون أن تقع البرهنة  عليها فالمنهج الاكسيومي مبني على قضايا افتراضية يسلم بها تسليما دون برهان و هذه القضايا تسمى الأوليات و هي قضايا مصاغة بدقة و تؤدي الى استدلالات صارمة لذلك فان الاكسيومية تبدا بجرد كامل الأوليات أي لكل القضايا التي نسلم بها دون برهان مثلما فعل "بيانو" في نظرية الأعداد الطبيعية. 
البنيـــة : يقول "لالاند" هي "نسق يتكّون من مجموعة عناصر تتوقّف بعضها عن البعض الآخر لتشكّل كلاّ منتظما". ولذلك فإنّ مفهوم البنية في العلم يحدّده " جون بياجي "  حيث يرى أنّها نسق من العقلانية التي تحدّد الوحدة المادّية للشيء وهي القانون الذي يفسّر هذه الوحدة ، إنّ البنية ليست وجودا تجريبيّا وإنّما هي بناء نظري مغلق مستقلّ بذاته دون الحاجة إلى إطار خارجي.
الترييض: ان الرياضيات بما هي علم فرضي استنباطي يقوم على التعميم والتجريب غدي يمثّل لغة كونية لذلك يقول في شانه "هوسرل" إنّ المفاهيم الرياضية هي مفاهيم مثالية إذ تعبّر عن شيء لا يمكن أن نراه وانطلاقا من هذه الخاصية غدي الترييض شرط من شروط المعرفة العلمية و يتمثل في تطبيق المناهج الرياضية بما تقتضيه من صورنة و افتراض في ميدان معرفي ما.
الصورنة : تتحدّد الصورنة (Formalisation) في المعنى الحديث باعتبارها تقديم النظريات العلمية في سياق نسق صوري يمكّن من تخصيص التعابير اللغوية وقواعد البرهان المقبولة دون غموض. وكلّ ما تقتضيه الصورية في الميادين الرياضية هو عدم التناقض المنطقي بين العلاقات التي تحدّده أي عدم التناقض بين الأوليات و النتائج، فالصورية هي المنزع الذي ينحو إلى التعبير بطريقة مجرّدة عن التماسك الداخلي للبنية العامة للقضايا، بحيث لا يبقى عند صياغتنا لها "سوى عبارات ليس لها أيّ معنى تجريبي" على حدّ تعبير R.Blanché.
الافتراضي : ينطلق العالم المنمذج اليوم من واقع افتراضي اي من واقع من بناء حدسه الخيالي المجرد وهو واقع مجاله الممكن وليس واقعا فعليا لذلك فهو يتقابل مع الراهن والمعطى .                                                                        
 الواقع : يحيل لغويا إلى الواقعي بوصفه الشيء الموجود بالفعل ويقابله الاعتباري الذي لا وجود له أما اصطلاحا فهو يشير إلى نظام التمثلات الراهن أو المعطى بحيث يفيد الواقعي الأشياء كما هي لا كما يمكنها أن تكون أو كما ينبغي أن تكون .   
الملائمة : لا يهتم العالم بتطابق نظريته مع الواقع لأنه لا يعتقد في وجود حقيقة موضوعية بل يهتم بمدى تلاؤم نسقه العلمي مع واقع معين وهنا تلتقي الملائمة مع الصلاحية بما أنها  تهتم بالانسجام الداخلي للنسق الاكسيومي في علاقة بالفرضيات والنتائج.
 الحقيقة : لقد حدد الفلاسفة الحقيقة بما هي صفة المعرفة المطابقة لموضوعها وهذا يعني أن الحقيقة هي قيمة معرفية بمعنى المعيار الذي يمكننا من الحكم على المعارف. غير أن هذا التحديد المثالي للحقيقة شهد تحوّلات عديدة في تاريخ المعرفة العلمية، تحوّلات جعلت الحقيقة في العلم تنحو إلى أن تكون حقيقة رياضية لا تشترط التطابق مع الواقع وإنما تقتضي تطابق الفكر مع ذاته، أي تشترط عدم التناقض في الفكر وهذا التصور يقوم على اعتبار الحقيقة تُبنى على عكس التصور القديم الذي اعتبر أن الحقيقة تُكتشف ويبدو أن المعنى المعاصر لمفهوم الحقيقة من شانه أن يُغيب الأبعاد القيمية والوجودية للإنسان أما المعنى : فيقال على الفهم المتجدد والمتنوع لتجربة الإنسان الثرية والمتعددة الأبعاد وهو ما يتعرض اليوم إلى تهديد من قبل النمذجة العلمية التي تجعل من العلم معرفة تهدف إلى الفعل و النجاعة فحسب  .                                                      
 القانون : هو القاعدة الملزمة أما في العلم فهو عبارة عن معادلة رمزية رياضية تعبر عن العلاقات الثابتة بين الظواهر وهو يشير في سياق النمذجة إلى العلاقات بين معطيات ومتغيرات النسق أما النظرية فهي عبارة عن نسق مترابط من القوانين العلمية يعبر عن تصور مخصوص للواقع .                                                                                       
التفسير : إن التفسير يتجلى في الكشف عن العلاقات الثابتة التي توجد بين الحوادث والوقائع واستنتاج أن الظواهر المدروسة تنشأ عنها.فهو ردّ للظواهر إلى أسبابها ومبادئها المتحكمة فيها أي إرجاع المرئي إلى اللامرئي أما الفهم أو التأويل فهو منهج علمي لدراسة الواقع يستند إلى خلفية تميز كل ظاهرة بخصائص نوعية تجعلها متفردة ولذلك استخدم هذا المنهج في دراسة الظواهر الإنسانية وغدي اليوم هدفا للنمذجة العلمية بدلا من التفسير الذي استخدمه العلماء لاعتقادهم في وجود حقيقة علمية قابلة للاكتشاف .
الاختزال : يسميه باسكال نوفال باستراتيجيا الإهمال أو الإغفال وهي تقوم على الاهتمام بعناصر مقابل إهمال أخرى أثناء دراسة واقعة ما كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى نيوتن حينما سعى إلى تحديد مفهوم القوة اهتم بمفهومين فقط وهما الكتلة والتسارع وذلك لقابليتهما للتكميم .

المسؤولية : هي نمط من الالتزام الأخلاقي والإنساني من خلال الاستعداد التام والإرادي لتحمل تبعات أفعالنا وفي سياق النمذجة العلمية تبرز محدودية العلم اليوم في غياب هذه المسؤولية إذا ما تمّ توظيفه براغماتيا / نفعيا خدمة لمصالح ضيقة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخصوصية والكونية

العلم بين الحقيقة والنمذجة

الانّية والغيرية