الجهاز المفهومي لمسالة التواصل والانظمة الرمزية

الجهاز المفهومي لمحور التواصل والانظمة الرمزية
 - الرّمز هو تمثيل حسّي لمعنى ذهني باعتماد علاقة مماثلة أو إيحاء بينهما يمكّن الفكر من تأويل الشكل الحسّي وفهمه من أجل تمثّل للتواصل لكن اذا ما أردنا تحديد لفظ التواصل فينبغي أن ننظم الحقل الدلالي الشاسع الذي يغطيه وتتبع مساراته المتعرجة في ثلاثة لغات هي العربية والفرنسية والانجليزية. إذا انطلقنا أولا من لغة الضاد فإننا نجد كلمة "وصل" تشير إلى العلاقة بين اثنين أو بين نقطتين أو بين حالتين إنسانيتين ( الوصل والهجر في لغة العاشقين) ويدل على خلق الروابط الإنسانية بين الناس. من جهة أخرى نعثر على كلمة "بلغ" والتي تتضمن شحنة دلالية قوية وتفيد البلاغ والتبليغ والدعوة والتبشير والدعاية والإرجاع.
لقد جاء في لسان العرب ما يلي:" وصل: وصلت الشيء وصلا وصلة، والوصل ضد الهجران، الوصل هو خلاف الفصل، وصل الشيء بالشيء يصله وصلا وصلة... إن فعل تواصل والاسم تواصل قد ظهرا أول مرة في اللغة الفرنسية في النصف الثاني من القرن 14 وكانا يعنيان "المشاركة في" وكانا قريبان من الفعل اللاتيني communicare الذي يفيد "الجمع بين الأشياء" و"وضع الأشياء ضمن علاقة" ،غير أن القرن 16 قام بالتقريب بين كلمتي communiquer و commmunication من كلمة communier و communion والتي تعني الملكية الجماعية وهذا المعنى ثبته قاموس littré بمعنى "الاقتسام مع اثنين أوأكثر" ويقال تقاسم خيرا ما أي اشتركا في إثبات صحته. وقد ترتب عن ذلك إفادة كلمة communiquer معنى النقل أي انتقل من الجزئي إلى الكلي ومن الكلي إلى الجزئي وتصبح وسائل النقل وسائل اتصال.
أما اللغة الانجليزية فنعثر فيها منذ القرن 15 على الجذر communis الذي يدل على فعل التقاسم و"وضع جنبا إلى جنب" وفي القرن 17 ستصبح كلمة communication تدل على الوسيلة التي تمكننا من الجمع بين الأشياء ضمن الإطار الواحد. في هذا السياق ستنتشر وسائل الاتصال الحديثة بداية من وسائل النقل في القرن 18 وتزداد الطرق والقنوات البحرية والمسالك الحديدية والموانئ البحرية وسترتبط تسمية التواصل منذ 1950 بالصحافة والسينما والإذاعة والتليفزيون.
إذا رجعنا الآن إلى معجم روبرت الكبير فإننا نعثر على تعريف جديد ينضاف إلى التعريفات الأربعة السابقة  :"معنى جديد يرتبط بالانتظام والتواصل ويعني كل علاقة ديناميكية ضمن حركية ما".
اللافت للنظر أن هيدجر هو الذي عبر عن المعنى الأنطولوجي لكلمة تواصل بقوله:" ينبغي فهم ظاهرة التواصل في معنى واسع وأنطولوجي فالقول الذي يسمح مثلا بنشر "بلاغ" أو بإعلان صحيفة إخبارية ليس إلا حالة خاصة من حالات التواصل في معناه العام...فهو يحسن المشاركة في الشعور العام بالوضعية وفي فهم الوجود مع الآخرين. فليس من مهمة التواصل نقل انطباعات وآراء وأماني سريرة ذات أخرى. إن التواجد في جوهره يكون منذ البدء دوما وسلفا جليا في الشعور العام بالوضعية وفي الفهم المشترك والوجود مع الآخر في الخطاب، ويكون متقاسما صراحة غير أنه موجود سلفا والحال أنه لم يدرك بعد ولم يرفع إلى مستوى الامتلاك ما دام لم يعرض بعد للتقاسم .
الاخر:
الغير هو الآخر.انه المختلف، فهو ليس من قبيلتي أو من بلدي أو لا يتدين بديني أو لا يتكلم لغتي... وهكذا فهو لا يشير الى فرد محدد، لأن كل ذات تنظر الى الغير باعتباره آخر مختلف عن الذات. _المعنى اللغوي: "...تغايرت الأشياء :اختلفت." و"الآخر بمعنى غير، كقولك : رجل آخر و ثوب آخر."(ابن منظور). ان لفظ الغير يشترك مع لفظ الآخر في نفس الدلالة فهما يشيران معا الى معنى المختلف و المغاير. وهذا الخلط في الدلالة يجعل المفهومين مترادفين، يدلان على الأشخاص والأشياء في نفس الوقت
 
الغير: هو في الوقت نفسه المماثل والمباين لي ,انه المماثل بسماته الإنسانية أو الثقافية المشتركة . والمباين بخصائصه الفردية أو فروقه العرقية . وفي الحقيقة يحمل الغير المباينة والمماثلة في ذاته . وتسمح لنا خاصية الذات من إدراكه في تشابهه وتباينه . فمركزية الذات في انغلاقها تجعل لنا الغير غريبا ، والانفتاح الغيري يجعله لنا اخويا . إن الذات بطبعه
اللغة : تعتبر اللغة في نظر العامة مرادفا للكلام، بالإضافة إلى اعتبارها مجموعة من الكلمات، كل كلمة تقابل شيئا معينا و تدل عليه، لكن إذا قمنا بمقارنة سريعة بين كل من اللغة و الكلام، سننتهي إلى أن اللغة ليست هي الكلام، فهذا الأخير فردي خاص و هو حدث زماني قابل للزوال و التجدد في حين أن اللغة من حيث هي أصوات و حروف و كلمات تبقى ثابتة و ذات طابع اجتماعي عام. و هكذا يمكن القول أن الكلام شكل من أشكال اللغة و ليست اللغة كلها، ذلك أن التواصل يمكن أن يتم بأشكال أخرى غير كلامية إلا أنها لا ترقى إلى مستوى التواصل الكلامي.
إن تحديد معنى اللغة يتطلب أيضا الوقوف على الدلالة المعجمية لهذه الكلمة، ففي لسان العرب لابن منظور هي كلمات يعبر بها قوم عن أغراضهم، و يركز ابن منظور على البعد التواصلي للغة، و في اللسان الفرنسي نجد كلمة language من اللاتينية lingua التي تعنـي الكـلام و الخطاب، أما الكلمة اليونانية logos فلها معان متعددة كاللسان والكلام والخطاب والعقل، و يفهم معناها من خلال السياق الذي وردت فيه.
إن هذه التعاريف تبقى محدودة و غير دقيقة، و لهذا لابد من الوقوف علـى الـدلالة الفلسفية و العلمية للغة.
إذا عدنا إلى المعجم الفلسفي لالاند نجده يحدد معنيين للغة:
·         المعنى الخاصهي وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا و خارجيا.
·         المعنى العامكل نسق من العلامات يمكن من التواصل.
أما إذا عدنا إلى معجم اللسانيات "لاروس" فإننا نجده يحدد اللغة: "هي القدرة على التواصل بواسطة نسق من العـلامات الصوتية "اللسـان" و هي قـدرة تتطلب وظيفة رمـزية و مراكز عصبية متخصصة وراثيا".
الوساطة :  إن كلمة مباشر تعني لغة ما هو آني، أما في الفلسفة فإنها تتخذ معنى مختلف و أكثر دقة. إذ نتكلم عندها عن المباشراتية “_Immédiateté”_ لنبين غياب علاقة التشكيل أو التفكير أو التحضير و الإعداد. و في هذا المعنى نقول مثلا أن الحيوان يعيش مباشرة من الطبيعة، إذ هو يكتفي بالمعطى الطبيعي الخام و لا يدخل عليه تغييرات بطريقة واعية.
و على نقيض ذلك يقحم الإنسان وساطة بينه و بين محيطه، فلا يكتفي بالمخابئ التي توفرها له الكهوف بل يبني مسكنا، فالإنسان يعيش من الطبيعة بواسطة التقنية و العمل، فالعمل و التقنية هي وسائط تمكن الإنسان من الفعل في الطبيعة. و العلاقة مع الغير يمكن أن تكون مباشرة مثلما يتحقق ذلك في تبادل النظرات أو الابتسامات أو حتى اللكمات دون توسط حد ثالث. لكن الحياة الاجتماعية تقتضي بل و تنشأ الوسائط في عمليات التبادل، لأن الوساطة هي أساس الحياة الاجتماعية و شرط تحققها، ذلك أن علاقة حب بين شخصين أو صراع حتى الموت بين شخصين لا يولد مباشرة علاقة من طبيعة اجتماعية، فهو يولد فقط علاقة بينذاتية. لذلك يلاحظ أرسطو أن إنتاج العملة مكن من إقامة وساطة في التبادل الاقتصادي، وساطة جعلته قابل لأن يكون عادلا. و من هذا المنطلق فإن إقامة القوانين و المؤسسات الحقوقية في المجتمع يمكن من خلق حد ثالث غير منحاز في عملية التبادل بين الأفراد، و هذا الحد الثالث يجعل اعتراف المجتمع بعلاقة الحب مثلا، أمرا ممكنا عبر الزواج أو أي شكل آخر من أشكال عقود الحياة المشتركة. الوساطة هي إذن ما يمكن طرفين من التبادل العادل و المعترف به..
المقدس : المقدس: هو ما هو ثابت ومفارق غير قابل للانتهاك وهو كذلك أزلي أما المدنس فكل موضوع قابل للتغير باعتبار انه ظاهرة أو موضوع دنيوي.
فظاهرة التقديس هي ظاهرة إنسانية كونية تختلف طرق أشكالها وممارستها انطلاقا من اختلاف رموزها وتأويلاتها و إذا كان الاعتقاد السائد يعتبر أن الموضوعات الدينية وحدها حاملة لصفة القداسة فإن دوركايم يذهب إلى القول أن الأشياء المقدسة ليست ممثلة فقط في تلك الكائنات المجردة التي نسميها آلهة و أرواحا بل إن المقدس يسحب كذلك على الأشياء والموضوعات الحسية مثل الينبوع.
وتشير الكلمة اللاتينية sacer التي اشتق منها مصطلح)   sacred  )المقدَّس، إلى التمييز بين ما هو متعلق بالآلهة وما لا علاقة له بها. وفي أسلوب ليس بالبعيد عن هذا، فإن الأساس العبري لكلمة k d sh التي تترجم عادةً بـ Holy "القدسيّ"، يقوم على فكرة الفصل بين المقدَّس والمدنَّس فيما يتعلق بالإلهي. أيًا كان التعبير المحدَّد للمقدَّس، فإن هناك تقسيمًا ثقافيًا شاملاً إلى حدٍّ ما يشكل المقدَّس وفقًا له ظاهرةً مميزةً ومبجلةً ومختلفةً عن كل الظواهر الأخرى التي تشكل المدنس أو الدنيوي. مع ذلك، فإن هناك اعتقادًا قديمًا في الديانة الهندوسية يرى أن كلاً من المقدَّس والنجس ينتمون إلى مقولة لغوية واحدة. وهكذا، فإن الفكرة الهندوسية عن التدنيس ترى بأن المقدَّس وغير المقدّس ليسا بالضرورة متضادين تمامًا؛ بل من الممكن أن يكونا في مقولتين مترابطتين؛ فما هو طاهرٌ بالنسبة لشيء ما قد يكون نجسًا بالنسبة لشيء آخر، والعكس صحيح
الرمز : - الرّمز هو تمثيل حسّي لمعنى ذهني باعتماد علاقة مماثلة أو إيحاء بينهما يمكّن الفكر من تأويل الشكل الحسّي وفهمه من أجل تمثّل للمعنى. - كلمة  symboleمتأتية من الإغريقية sun- bolein وتتضمّن معنى الربط والجمع بين أمرين: هي علامة تعارف تتكوّن من نصفين عندما نجمعهما يكوّنان كلمة السّر(معجم لالند). تشير الكلمة في التقليد الإغريقي إلى شيء مثل الآنية أو الميدالية يُقسم إلى نصفين، بين شخصين، ضيف ومضيف أو دائن ومدين، وبجمع النصفين يكتمل الشكل ليدلّ كل منهما على هويته ويثبت طبيعة صلته بالآخر فهو تذكار ضيافة وتعارف واعتراف بالجميل وتوثيق صلة. فالرمز في الأصل يحيل إلى التوجه إلى الآخر والتواصل بين الإنسان والإنسان ويوحّد بينهما. إذن للرمز وظيفة أساسية هي التواصل



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخصوصية والكونية

العلم بين الحقيقة والنمذجة

الانّية والغيرية