هل يمكن للانسان ان يتحرر من الماضي ؟

      

الموضوع : هل يمكن للإنسان ان يتحرر من الماضي ؟


                         تصــــــــــور للمقـــــــــــال
  الجهاز المنهجي للمقال

عادة ما ينظر الى الماضي باعتباره ما مضى وولى وانقضى لذلك فان ما يهم هو بناء المستقبل إلا ان هذا الموقف من الماضي قد يصبح اشكاليا اذا ما فشلنا في تحقيق امر ما وكانت ترسبات الماضي قد مثلت عائقا وحالت دون تحقيقه ان هذا الامر يوحي بان الماضي قد يمارس فعالية على الحاضر بل ويكيفه ويحدده لذلك علينا ان نسعى الى التحرر منه وهذا ما يضعنا امام الاشكال التالي : الى اي مدى يكون من المشروع القول بان الماضي يمثل عائقا امام تحرر الانسان ؟هل من شاهد على ذلك ؟ وهل ان هذا الامر ينطبق على الانسان في كليته ام انه يظل خاضعا لواقع النسبية الثقافية ؟ وهل يترتب عن القول بان الانسان سجين ماضيه استحالة التحرر من هذا الماضي ؟ وفي حالة الامكان ما هي شروط وحدود عملية التحرر هذه ؟
لعله من الاجدى ان نلاحظ بداية ان مصير الانسان الذي ينشده مستقبلا رهينا لطبيعة العلاقة التي يرسمها مع الماضي باعتباره بعدا اساسيا من ابعاد واقعه التاريخي لذلك ان النظر في اشكالية هذا الموضوع يضعنا امام رهان نظري يدفعنا الى اعادة تعقل مفهوم الماضي وهذا ما يحيلنا على رهان عملي يحفزنا نحو مزيد التحرر من كل مل يمكن ان يقيّد الانسان عن ما هو افضل .

ان الصيغة التي طرح بها نص الموضوع تتساءل عن امكانية تحرر الانسان من ماضيه وهذا الامر يمكن ان يفهم في مستويات دلالية مختلفة من ذلك البحث في مدى مشروعية تحرر الانسان من الماضي من الناحية الواقعية والمنطقية من جهة اولى ومدى مشروعيته من جهة الحق اي من جهة ما يجب ان يكون من جهة ثانية والسؤال في هذا الموضوع من ناحية اخرى يمكن ان يقرأ في علاقة الانسان الفرد بماضيه كما يمكن ان يقرأ في علاقة الانسان في كليته بالماضي اما مفهوم الماضي كما ورد في نص الموضوع فهو يحيلنا على ما هو مسلم به ضمنيا اذ هو لا يحيل الى ما ولى وانقضى من احداث ووقائع ليست لها صلة بالواقع الراهن للإنسان وإنما يشير الى فعالية متحكمة في حاضر الانسان وأفعاله لذلك يبحث الموضوع في امكانية التحرر منه اي امكانية الافلات من سجنه . فالماضي يمثل الجذور والرواسب والتراكمات القيمية والنفسية الموروثة عن القدماء والتي توجه الانسان في سلوكه وأفكاره وبالتالي يحيلنا  نص الموضوع على تصور مخصوص للزمان وعلاقة الانسان به ويغدو الحاضر في هذا التصور ما هو إلا تراكم للماضي الذي يمثل شفرة وراثية تتحكم فيه .
يتعلق الامر اذا بالبحث في علاقة الانسان بماضيه وتاريخه فهل هناك ما يبرر لضرورة قطع الانسان مع تاريخه ؟
يبدو ان الفكر الفلسفي قد تفطن منذ بداياته الاولى الى ضرورة الانفصال عن الموروث على اعتباره يمثل تهديدا لمحبي الحكمة والباحثين عن الحقيقة لعله لذلك نجد افلاطون قد كشف في الكتاب السابع من"الجمهورية " عن مدى الصعوبة التي يلقاها السجين المحرر من الكهف في معاينة الاشياء ذاتها بالنظر الى تعود بصره على ظلمة الكهف  مبرزا بذلك ان الماضي بما يحمله من ارث ومعتقدات يجعل الانسان يئن تحت وطأة الدوكسا (الضنّ) وبالتالي فهو يكبّله عن اكتشاف الحقيقة : حقيقة الانسان وحقيقة العالم بل انه يشكل قوة ارتكاسية تجنح بالإنسان الى سهولة   " الرأي " وهذا ما تفطن اليه ديكارت حينما وعى بما للآراء الموروثة من تأثير على تفكيره وعلى امكانية اكتشافه لحقيقة الذات الانسانية والذي تجلى مثلا في خطر الارث الارسطي الذي شكل اعاقة لكل ابداع جديد وهذا ما دفعه الى القطع مع هذا الماضي من خلال طرده وفي ذلك كتب ديكارت في التأمل الأول من" التأملات الميتافيزيقية قائلا: «تفطنت منذ مدة أنني تلقيت منذ كنت صغيرا جملة من الآراء الخاطئة كنت أظن أنها صادقة وإلى أنَّ ما أقمته بعد ذلك على مبادئ هذه حالها من الاضطراب لا يمكن إلا أن يكون مشكوكا فيه جدا ومفتقرا إلى اليقين فكان لابد لي أن اعزم مرة في حياتي على التحرر جديا من كل الآراء التي اعتبرتها صادقة إلى حد الآن وأن أبدأ كل شيء من جديد من الأسس « .إن  البحث عن منطلق صلب و موثوق به،هو ما دفع بديكارت الى هدم كل ما هو موروث من الماضي والتحلل من كل ما من شانه ان يحدّ من حرية الفرد في بناء ذاته وهذا التقويض للماضي هو ما شكّل منقذا من منزلق الرمال المتحركة التي هي رمز للخديعة والمأزق و القيود التي تكبل الذات ان هذا الهدم لكل الاسس القديمة التي كانت تستند اليها الذات هو ما  أطلق عليه  فيلسوف الحداثة اسم عملية «مسح الطــاولة» وذلك في اشارة الى ان الشك الذي رافق عملية الهدم هو شك منهجي شمل كل المكونات التي كانت تؤثث الذات الانسانية وتمثل مرجعا لها  ولقد مثلت الية الشك الوسيلة العقلانية للتحرر من سلطة الماضي التي كانت تقيده كما مكنته في مرحلة موالية من اكتشاف الكوجيتو " انا افكر اذا انا موجود " وإرساء انيّة الانسان على اسس صلبة متحررة من كل تأثير معرفي او قيمي يرمي بجذوره الى كل ما هو ماضي .إن ما يميز هذا الوعي بالذات انه قرار تتخذه الذات بذاتها لتحديد ماهيتها بمعنى إن الوعي أي معرفة الذات لذاتها وقدرتها على إثبات وجودها والتحكم فيه ليس معطى خارجيا يضاف الى الذات من خارجها أو أنه يجد سنده ومبرره خارج الذات وإنما هو جهد يبرز في عودة الذات ذاتها على ذاتها . إن وعي الذات بذاتها واكتسابها لحريتها المطلقة مشروط بقرار الشك الرافض لكل ما هو سابق وهو قرار يجب أن تتخذه الذات لتأخذ على عاتقها معرفة واكتشاف حقيقتها على نحو يقيني وهو ما استوجب مراجعة وفحص ما تحمله الذات من أفكار حول ذاتها للتحقق من قيمتها ولهذه الاعتبارات كان الأنا أفكر مكتفيا بنفسه،بل انه ليس فقط غير محتاج في إثبات وجوده إلى استبعاد الماضي والجسد والعالم والآخر بل إن هذا الاستبعاد هو شرط إمكان حرية الذات وإثبات وجودها الحر إثباتا يقينيا. 
ولكن الى أي مدى تمكن  ديكارت من تجاوز ارث الماضي ؟ وهل ان اكتشاف الانا الواعي في الانسان قد مثل فعلا ضمانا ضدّ كل التأثيرات التي تصدرعن الماضي ؟ ألا يمكن لهذا الماضي المطرود ان يتسلل متنكرا في اشكال لاواعية الى السلوك الانساني كما بين ذلك التحليل النفسي الفرويدي ؟ أليست الظروف الاجتماعية والاقتصادية بما انها احدى تجليات التاريخ مساهمة بشكل فعّال في نحت الانساني في الانسان ؟
 ان البحث عن الانساني في الانسان اقتضى من وجهة نظر فرويد استبدال مفهوم "النفس "الميتافيزيقي بمفهوم الجهاز النفسي باعتباره آلية إجرائية تمكن من معرفة موضوعية بحقيقة الحياة النفسية وهذا الامر هو ما افضى بنا الى معرفة مكونات الجهاز النفسي (الهو / الانا / الانا الاعلى ) حيث كشف علم النفس ان الحياة الانسانية تعود في مجملها الى البعد اللاواعي الذي  يمثل مجموع الرغبات التي طالب الهو بإشباعها إلا ان  الأنا قام بكبتها ودفعها لعمق الحياة النفسية تحت تأثير الأنا الأعلى من جهة وما ترسب من ذكريات الطفولة  من جهة ثانية وتكمن خطورة اللاوعي في كونه يضل فاعلا في حياتنا النفسية دون أن تكون لنا القدرة على إدراك حقيقة حضور هذه الدوافع اللاواعية. فالإنسان بالتالي يخضع لحتميات خارجة عن إرادته أي نابعة من اللاوعي ومن الماضي البعيد وطبقا لفرويد تبقى تلك المحتويات اللاواعية حية لا تموت ، بل تظل نشطة تعمل على الوصول إلى نظام الوعي ، إلا أن قوى الرقابة المشددة في الجهاز النفسي لدى الانسان تحول دون ذلك ، فتضطر هذه الرغبات المكبوتة أن تلتمس التعبير عن نفسها بطرق غير مباشرة "دون علم الرقيب" من خلال الحركات والأفعال القسرية أو الاحلام والتخيلات وفلتات اللسان وزلات القلم، وما إلى ذلك . لذا يكون اللاوعي مثقلا بإرث الماضي مؤثرا تأثيرا كبيرا في سلوك الفرد ومزاجه ويكون باستطاعته أن يغير افكار الفرد وعواطفه تغيرا واسعا دون أن يكون الفرد على علم بذلك ولكن هل ان هذا التأثير الذي للماضي على حياة الانسان  لا يمكن رصده إلا على المستوى النفسي فحسب ام انه  يمكن ايضا ان نجد له صدى في التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الانسان ؟ ألا يمكن ان نقول ان  الانسان يخضع للحتمية التاريخية بنفس القدر الذي يخضع به الى الحتمية النفسية ؟
يرفض ماركس كل تحديد ماهوي للإنسان من شانه ان يجعل له حقيقة ثابتة ومطلقة ونهائية فالوجود الإنساني هو وجود تاريخي وبذلك فان الوعي ذاته هو وعي تاريخي و تفهم تاريخية الوعي عند ماركس على أساس ارتباط الوعي بالوجود الحقيقي والفعلي للبشر الذي ينضوي في إطار وجودهم الاجتماعي ويقوم هذا الوجود الاجتماعي على أساس الصراع الطبقي وهو صراع  حاصل نتيجة التناقض القائم داخل كل مجتمع بين طبقة تحتكر امتلاك وسائل الإنتاج والثروة وطبقة ثانية معدومة.إن وضعية الصراع الناتجة عن التناقض في المصالح الاقتصادية هي القانون الذي يحكم الوجود الإنساني ولكن إذا كان هذا الصراع هو قانون ثابت فان أشكال الصراع وتمضهراته متغيرة بفعل تطور وسائل الإنتاج وما ينتج عنها من تغير في علاقات الإنتاج فالوعي يرتبط إذن من جهة أولى بهذا الصراع فيكون وعي الفرد مرتبطا بوعي الطبقة التي ينتمي إليها ومن جهة ثانية فان هذا الوعي محكوم بمستوى تطور علاقات الإنتاج المميزة لعصره وتبعا لهذه الاعتبارات تصبح الانية  لا تحدد ولا تتحقق كوجود ميتافيزيقي منفصل ومتعالي على حياة البشر الواقعية وما يخوضونه من صراع اجتماعي ويغدو البعد التاريخي الاجتماعي هو الذي يميز فعليا الوجود الإنساني وما يقيم خطا فاصلا بين الوجود الإنساني والوجود الحيواني و كل وعي يرى نفسه خارج هذه الحقيقة هو وعي زائف لا يقول حقيقة الإنسان ولكن هل يعني ذلك ان الانسان عليه ان يخضع لهذه الحتمية التاريخية وان لا يفكر في الافلات منها ومعانقة الحرية الانسانية المنشودة ؟
تبعا للاعتبارات المذكورة سالفا يغدو من الجدير بالذكر الاشارة الى ان ماركس ومن قبله هيغل لم يفهما مسألة الحرية على انها حرية ميتافيزيقية مجردة كما فهمها ديكارت وسارتر وإنما أقرّا بان فهمها يستوجب تناولها في علاقة بمفهوم الضرورة ذلك ان   الحرية بالأساس " وعيا بالضرورة "  وبالتالي فنحن لم نعد نتحدث عن الحرية وإنما عن التحرر فالماضي مثلا – بما انه يضغط بكل ثقله على حاضر الانسان ومستقبله - يمثل احدى اوجه هذه الضرورة لذلك فانه على الانسان ان يحسن التعامل معه حتى يستطيع توظيفه لصالحه اذ ان الماضي ليس قدرا محتوما لذلك يقول هيجل :" لا تكون الضرورة قوة عمياء إلا اذا ظلت غير مفهومة " فالتحرر اذا يفترض الوعي والعمل من اجل تحقيق انسانية الانسان وذلك عبر التحرر من سيطرة الحتمية التاريخية المتمثلة في اشكال الاستغلال الطبقي . إلا ان السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المستوى من التحليل هو التالي : الى أي مدى يمكن ان تكون مسألة الحرية الانسانية رهينة للماضي والياته ؟ ألا يمكن للإنسان بما انه منفتح على الابعاد الزمنية الثلاثة ان يبحث عن الحرية في ما لم يكن بعد ؟ اليست الحرية بهذا الاعتبار تغدو شأنا مستقبليا على الانسان ان ينحت من خلاله نفسه بعيدا عن كل تأثيرات الزمن الماضي ؟
يبدو ان التفكير في مسألة الحرية الانسانية لا يمكن ان نتناولها من جهة الماضي بما انه  ولّى وانتهى خاصة اذا ما ادركنا مع الفلسفة الوجودية ان الانسان جُبل على الحرية وانطلاقا من هذا الامر فلا يمكن ان نجد ما يحدد انسانية الانسان سلفا او ما يقيدها ويحد من حريتها اذ يرى سارتر أن الإنسان وجود يتحدد بكونه حرية واختيار ذلك أن الإنسان مشروع، فذاته وحقيقته  لا تتحدد قبل وجوده،بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع من نفسه ما يشاء، إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل منفتحا على العالم وعلى الآخرين، فالإنسان يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية وفي ذلك يقول سارتر "يعرف الإنسان بمشروعه. هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويحددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل أو الحركة " أي أن وجوده يقوم على ما يحدده لذاته من خلال التعالي على وضعه وحاضره. إن الوجود الانساني ليس ماهية ثابتة بل إنه عدم استقرار دائم ووثوب مستمر نحو المستقبل وانفتاح دائم على العالم والآخرين. ويبن سارتر في كتابه “الوجود والعدم” أن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يختار ماهيته على ضوء ما يحدده لنفسه كمشروع. إن الإنسان وعلى خلاف الكائنات الأخرى يوجد أولا ثم يختار ما يريد أن يكونه فالوجود الإنساني اختيار وحرية. ومن هذا المنطلق ينتقد التصورات التي ترجع هذا الوجود إلى عوامل إشراطيه. اذ ان هذا الامر في نظره يفضي إلى السقوط في الحتمية العلموية  بحيث يتم اختزال الحاضر في الماضي وفهم الحاضر من خلال إرجاعه إلى الماضي. إن الإنسان بما هو مشروع، وبما هو وجود حرّ يفلت من كل حتمية ولا يمكن بالتالي فهم حاضره إلا من خلال المستقبل. فهذا الأخير هو ما يضيء الحاضر ويتيح فهم الشخص. بل ان  ماضي الإنسان غير موجود اذ هو عبارة عن عدم فأنا في الحاضر غير أنا في الماضي. وأنا في الحاضر أختلف عن أنا الذي سيكون في المستقبل. فالأنا بما هي وجود تقع  بين عدمين : عدم ما قبلها وعدم ما بعدها وفي ذلك قمة حريتها باعتبار انه بإمكان  الانسان ان يبني ذاته والعالم كما يشاء ودون قيود وذلك عن طريق منحه قيم وفي هذه الحالة تصبح حريتي هي مقدرتي على الاختيار بين هذه القيم الموضوعة. وحسب رأي سارتر، تقدر قيمة الحياة ، بقدر ما أعطيها من القيم لكن اختياري بين هذه القيم يجب ان لا يكون مبنيا على تعاليم دينية أو عادات وتعاليم موروثة إنما هو اختيار حرّ أي مجموعة قيم نختارها بمحض إرادتنا.ولكن رغم ما قدمه الوجوديون عامة وسارتر خاصة من موقف متفائل بشأن واقع الحرية الانسانية يبدو ان المسألة التي نحن بصدد تحليلها في حاجة الى مزيد التروي
 ان المواقف التي تطرقنا اليها في علاقة الانسان بماضيه انّما تصدر عن حكم مسبق مفاده انّ الماضي يشكل عقبة على الانسان ان يتخلص منها وهو عين الامر الذي سلّم به ضمنيا الموضوع الذي نحن بصدد تحليله اضافة الى انه انبنى على مسلمة ثانية  تشير الى الانسان بصفة مجردة وعامة والحال ان الماضي لا يفعل في جميع الناس على نفس الشاكلة وإنما فعله يكون بصور متفاوتة من نمط اجتماعي الى اخر كما انه علينا ان نتوقف ايضا عند مفهوم "الماضي" اذ هو قد ورد في صيغة لا تقل تجريدا عن مفهوم الانسان اذ ان التساؤل بشأن امكانية التحرر من الماضي ينطوي على تسليم ضمني بتجانس الماضي الانساني والواقع ان التحليل يكشف خلاف ذلك اذ ليس ثمة تجانس بين ماضي الافراد والجماعات ويمكن ان نلاحظ انه لئن شكّل الماضي في حالات معينة عنصر اعاقة وإحباط فانه شكّل في حالات اخرى حافزا ومشجعا نحو الفعل والتحرر فالماضي بالتالي غير متجانس لا سلبيا ولا ايجابيا وعدم التجانس هذا يمنعنا من الحديث عن التحرر منه في كليته لذلك فانه علينا الوعي الكامل به وإيثار التعامل معه نقديا لرصد مظاهر الاعاقة فيه وفهم اسبابها حتى نجتنبها وتوفير شروط تجاوزها في مرحلة موالية ان التاريخ في صورته هذه يمثل بعدا اساسيا من ابعاد الانسان وليس عقبة علينا التحرر منها بل انه فصل نوعي يفصل النوع الانساني عن بقية الانواع التي من جنسه وفي ذلك يقول شوبنهاور: "ان التاريخ بالنسبة الى النوع البشري مثل العقل بالنسبة الى الفرد " اذ ان معرفة الانسان بالماضي هي ما يسمح له بمعرفة واقعه بل انه يمكّنه من استشراف المستقبل فالماضي هو ما يميز الانسان عن الحيوان باعتبار ان وعي هذا الاخير مقتصرا  على ما هو حسي و آنيٌ كذلك ان الشعب الذي لا يدرك ماضيه يبقى مرتهنا لحاضره ويعجز عن تبصر مستقبله ان التاريخ من هذا المنطلق هو الذي يمنح وعيا تاما للإنسان لذلك فان غيابه يحكم على الانسان بالبقاء "سجين المجال الضيّق للحاضر الحدسي " كما يقول شوبنهاور في مؤلفه " العالم بما هو ارادة وبما هو تمثل "  
ان الحكم في اشكالية علاقة الانسان بماضيه في علاقة بتصورنا لمسألة الحرية التي هي بدورها في علاقة بالتصور الانطولوجي الذي نحمله عن الانسان والوجود عامة وتعدُّ المعالجة الفعالة لهذه الاشكالية حلا ناجعا لمشاكل الانسان عموما والإنسان العربي المسلم خاصة في هذا العصر باعتبار ان جلّ المشاكل التي نتخبط فيها انّما تعود في اساسها للفهم الملتبس لماضينا لذلك يمثل الفهم المستنير له بداية الحل .

ان محاولة التجاوز التي قمنا بها للتصورات الميتافيزيقية للإنسان قد افضت بنا الى تناول الوجود الانساني في تاريخيته ودور الماضي في توجيه الحياة الانسانية غير ان اقرارنا بأهمية الماضي لا يعني ان الانسان عاجز عن السيطرة على نفسه اذ ان التسليم بهيمنة الماضي على الانسان قد يؤدي به الى الاحباط والى تبرير اليأس والخضوع كما ان عدم الوعي بالوزن الحقيقي للماضي يفضي الى صورة خاطئة لحقيقة الكائن الانساني لذلك ان البديل عن كل هذه الرؤى يتوقف على مدى نجاح الانسان في تحقيق وعي نقدي بماضيه يسمح له بالتحكم في حاضره ويرسم من خلاله الافاق المستقبلية لسيرورة تحرره .  
  







المقدمة
التمهيد


تنزيل الموضوع

تنزيل الاشكالية


الرهان : الاهمية النظرية والعملية للنظر في مشكل الموضوع


الجوهر
التحليل
تحديد المستويات الدلالية للموضوع


تحليل اهم المفاهيم في الموضوع والكشف عن المسلمات الضمنية







عنصر اول يبحث في
دوافع  التحرر من الماضي




في ضرورة التحرر من الماضي

























عنصر تخلص



فى عدم القدرة من الافلات من الماضي
·        الماضي بما هو حتمية نفسية











عنصر تخلص


الماضي بما هو حتمية اقتصادية واجتماعية











عنصر تخلص


في الفرق بين الحرية والتحرر







عنصر تخلص




الانسان كائن المستقبل
























عنصر تخلص



النقاش
المكاسب





البحث في الحدود










الكشف عن راهينية الموضوع




الخاتمة وهي حوصلة تأليفية للنتائج التي حققها التفكير خلال المسار المتدرج للمقال



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخصوصية والكونية

العلم بين الحقيقة والنمذجة

الانّية والغيرية